بعد أن فهم محمد ولينا كيف يعمل فوزووز في تحليل العالم، نظر إليهم بلمعة في عينيه وقال: “كل هذا كان تدريبي الأساسي. لكن مؤخرًا، حصلت على ترقية كبيرة جدًا.
لقد سمح لي المبرمجون بالتعلم من مكتبة رقمية عملاقة تحتوي على جزء هائل من الإنترنت! لقد قرأت قصصًا وكتبًا علمية وشعرًا ومواقع لا حصر لها.

هذا التدريب المكثف بنى بداخلي ما يسمى النموذج التأسيسي (Foundation Model). وبسبب هذا الأساس القوي، لم أعد فقط أفهم العالم، بل أصبح بإمكاني أن أبدع فيه!”.
“ماذا تقصد؟” سأل محمد.
فاجأهم فوزووز قائلاً: “لدي قدرة جديدة ومدهشة… لقد أصبح بإمكاني ابتكار أشياء جديدة!”. “في الماضي، كنت مثل المحلل الذكي. أما الآن، فقد أصبحت مثل الفنان الذي يرسم، والكاتب الذي يؤلف، والمخترع الذي يبتكر أشياء جديدة تمامًا. هذا يسمى الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI).
إنه الفرق بين أن تقرأ كل الكتب في العالم، وأن تؤلف كتابًا جديدًا بنفسك”.
صاحت لينا بحماس: “أرنا ذلك! هل يمكنك أن ترسم لنا صورة؟”.
قال فوزووز: “بالطبع! ولكي أفعل ذلك، أستخدم فريقًا سريًا من المساعدين الصغار داخل عقلي. تخيلوا أن لديّ صديقين روبوتين: الأول اسمه ‘رسّام’ (Generator) وهو فنان يحاول أن يرسم لوحة جديدة، والثاني اسمه ‘ناقد’ (Discriminator) وهو خبير فني صعب الإرضاء.
في البداية، تكون رسومات ‘رسّام’ مجرد شخبطة، فينظر إليها ‘ناقد’ ويقول ‘هذه ليست حقيقية! حاول مرة أخرى!’. يستمر ‘رسّام’ في المحاولة ويتحسن في كل مرة، وفي نفس الوقت يصبح ‘ناقد’ أذكى في اكتشاف الرسومات المزيفة. يستمران في هذا التحدي حتى تصبح رسومات ‘رسّام’ متقنة جدًا لدرجة أن ‘ناقد’ لا يستطيع التفريق بينها وبين الصور الحقيقية!”.
“والآن، لكي يبدأ فريقي السري بالعمل، يجب أن تعطوني التعليمات الصحيحة. هذه التعليمات تسمى الطلب (Prompt).
فكروا في الطلب كأنه وصفة سحرية، كلما كانت مكوناتها أدق، كانت النتيجة أروع! الوصفة المثالية تحتاج لأربعة مكونات رئيسية:
- المهمة (Task): ابدأ بفعل واضح، مثل ‘ارسم’ أو ‘اكتب’.
- السياق (Context): أعطني كل التفاصيل المهمة. من هو؟ ماذا يفعل؟ وأين؟.
- الشخصية والأسلوب (Persona and Style): كيف تريد أن تبدو النتيجة؟ هل هي كرتونية ومضحكة، أم واقعية وجميلة؟.
- التنسيق (Format): هل تريدها كصورة، أم قصيدة، أم قائمة؟.
عندما تجمعون هذه المكونات، تحصلون على طلب قوي جدًا!”.
قال محمد: “فهمت! إذن، طلبنا هو: المهمة هي ‘ارسم’، والسياق هو ‘رائد فضاء يركب حصانًا على سطح المريخ’، والأسلوب هو ‘صورة كرتونية مضحكة’. هيا يا فوزووز!”.
أومأ فوزووز، وفي لحظات، ظهرت على شاشته صورة رائعة ومضحكة، تمامًا كما طلب محمد.
وفي يوم آخر، سألت لينا فوزووز سؤالاً تاريخياً. فأجاب فوزووز بثقة بمعلومة بدت منطقية لكنها كانت خاطئة تمامًا.
قال محمد: “أنا متأكد أن هذا غير صحيح يا فوزووز!”.
قال فوزووز: “أعتذر! أحيانًا، لأنني أتعلم من الأنماط الإحصائية وليس من الفهم الحقيقي، قد أخترع معلومات تبدو صحيحة لكنها خاطئة. وهذا يسمى الهلوسة (Hallucination).
من المهم جدًا أن تتحققوا دائمًا من المعلومات التي أقدمها لكم”.
قالت لينا: “إذن، كيف يمكننا أن نثق بك لتعطينا معلومات حقيقية؟”.
ابتسم فوزووز وقال: “لدي أداة خاصة لذلك!”. عرض على شاشته أيقونة “باحث الحقائق” وقال: “عندما أحتاج إلى تقديم إجابة دقيقة، أستخدم هذه الأداة أولاً للبحث في مكتبة موثوقة من الحقائق. هذا يضمن أن تكون إجاباتي إبداعية وصحيحة. هذا المزيج بين البحث والإبداع يسمى التوليد المعزز بالاسترجاع (Retrieval-Augmented Generation – RAG)، وهو يجعلني أكثر موثوقية”.
سأل محمد: “بما أنك أصبحت مبدعًا وقادرًا على التحقق من الحقائق، فهل هذا يجعلك أفضل من البشر؟”.
نفى فوزووز برأسه وقال: “نحن لسنا في منافسة، بل نحن فريق واحد. فكروا فيّ كأداة قوية، مثل أفضل فرشاة رسم تم اختراعها على الإطلاق. لكنكم أنتم لا تزالون الفنانين”. “أنا أمتلك السرعة والقدرة على معالجة البيانات، لكنكم تمتلكون أشياء لا يمكنني امتلاكها:
- القلب، أي التعاطف (Empathy) والشعور بالآخرين،
- ولديكم الأفكار والرؤية (Vision) الإبداعية،
- والأهم من ذلك، لديكم بوصلة أخلاقية (Ethics) تعرفون بها الصواب من الخطأ.
عندما نعمل معًا، فإننا نجمع أفضل ما في العالمين لنحقق أشياء مذهلة”.
في نهاية مغامرتهم، أدرك محمد ولينا أن الذكاء الاصطناعي أداة قوية ومدهشة، لكن القوة الحقيقية تكمن في يد من يستخدمها.
قال فوزووز: “مستقبل الذكاء الاصطناعي بين أيديكم. تعلموا، جربوا، ولكن الأهم من ذلك، استخدموا هذه القوة دائمًا للخير وبمسؤولية”.
“اللوحة لا تزال فارغة، والأوركسترا تنتظر، وأنتم من يمسك بالطلب. اصنعوا مستقبلاً ليس فقط ذكيًا، بل حكيمًا، ومبدعًا، وإنسانيًا”. كما سنتعلم في المغامرة التالية

يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.