خير الصلح

أصبح “وادي الطموح” على وشك أن يشهد أكبر خلاف بين قطبيه المبدعَيْن: “فوزووز” و”مُبتكر”. بعد أن دمجا ورشتيهما، بدأت الخلافات التي حاولا حلها سابقًا تعود وبقوة. كان “فوزووز” يشعر بالاختناق من فوضى “مُبتكر” التي كانت تمتد وتلتهم جانبه المُنظم. وكان “مُبتكر” يشعر بأن قواعد “فوزووز” الصارمة تقتل إبداعه.

تفاقم الصراع. توقفا عن الكلام. وفي أحد الأيام، قام “فوزووز” بوضع شريط لاصق أحمر على أرضية الورشة، ليحدد “الحدود” الفاصلة بينهما. أصبح المكان ساحة نزاع صامتة. عندما زارهما صديقهما الحكيم “رشيد”، ورأى الشريط الأحمر على الأرض والصمت الثقيل في الهواء، هز رأسه بأسى.

دعا “رشيد” الاثنين للجلوس في المنتصف، تمامًا فوق الشريط اللاصق. بدأ “فوزووز” بالشكوى: “يا رشيد، إنه لا يحترم حدودي! أنا لي الحق في مساحة مُنظمة!”. ورد “مُبتكر” بغضب: “وهو لا يحترم طريقتي! أنا لي الحق في مساحة للإبداع!”.

استمع “رشيد” لهما بصبر، ثم قال: “كلاكما مخطئ. أنتما لا تحاربان بعضكما”. نظر الاثنان إليه في حيرة. تابع “رشيد”: “أنت يا فوزووز، خصمك الحقيقي ليس مُبتكر، بل ‘شُح نفسك’ الذي يجعلك بخيلاً بنظامك. وأنت يا مُبتكر، خصمك ليس فوزووز، بل ‘شُح نفسك’ الذي يجعلك أنانيًا في فوضاك”.

“إن المعركة الحقيقية ليست حول من ‘يصح’، بل حول من يختار ‘الإحسان’ و’التقوى’. الصلح خير لكما من هذا النزاع. وحب نفسك الأناني هو الشر الذي يجب أن تهربا منه”. صمت الاثنان، وشعرا بالخجل من أنانيتهما.

قال “رشيد”: “إن الحل ليس في بناء جدار أعلى بهذا الشريط، بل في بناء جسر من الود. هذا الشريط هو رمز للنزاع، قوما بإزالته، وبدلًا منه، ابنيا ‘طاولة مشروع مشترك’ في المنتصف تمامًا”.

اقتنع الصديقان. أزالا الشريط اللاصق. وعملا معًا (بتقوى وإحسان) على بناء طاولة مركزية جديدة، يضع عليها “مُبتكر” إلهامه، ويقوم “فوزووز” بتنظيمه.

بعد أشهر، أصبحت هذه الطاولة المشتركة هي المكان الذي تولد منه أعظم الأفكار في الوادي. لقد أدركا أن “الصلح” وبناء “الود” كانا خيرًا لهما، وأن الفرج الحقيقي أتاهما عندما تغلب كل واحد منهما على “شُح نفسه”.