كان “فوزووز” في ورشته، لكنه لم يكن يعمل. كان يجلس على كرسيه، محاطًا بأدواته وقطعه الخشبية، لكنه كان يشعر بأنه في سجن. شعر بقلق غريب وضياع لا يعرف مصدره. كانت روحه محاصرة. كان يريد أن يبدع، لكن صوته الداخلي يخبره أن عمله بلا قيمة. كان يريد أن يبدأ مشروعًا جديدًا، لكن نفسه تثبطه وتدعوه للكسل والتأجيل. كان ينظر إلى أعمال الحرفيين الآخرين في “وادي الطموح”، ويشعر بالغيرة أو بالنقص، فيفقد كل رغبته في العمل.

الشعور بالقلق والضياع غالبًا ما يكون نتيجة حصار تفرضه علينا أربعة أعداء: وسوسة الشيطان، وإغراءات الدنيا، وتسويف النفس، واتباع الهوى. مفتاح الخروج من هذا الحصار يكمن في تقوى الله والتوكل عليه.
بينما هو في هذه الحالة من الحصار، دخل عليه صديقه الحكيم “رشيد”. نظر “رشيد” إلى “فوزووز” الجالس في سكونه القلق، وقال: “تبدو في ورشتك، ولكنك لست هنا. ما الذي يحاصر روحك يا فوزووز؟”. قال “فوزووز” بمرارة: “لا أعرف. أشعر بقلق وضياع. كل شيء يدعوني لليأس”. جلس “رشيد” بجانبه وقال: “يا بني، أنت لست ضائعًا، أنت ‘محاصر’. إنه قلق وضيعة حصار أربعة أعداء”.
“أربعة؟” سأل “فوزووز” باستغراب. قال “رشيد”: “نعم. الأول هو الشيطان، الذي يوسوس لك باليأس ويقول لك: ‘عملك بلا فائدة، لن تنجح أبدًا’. والثاني هو الدنيا، التي تلمع في عينيك، فتجعلك تقارن نفسك بالآخرين وتنسى النعم التي في يدك”. “والثالث”، تابع “رشيد”، “هو عدو خفي: نفسك الأمارة بالسوء. هي التي تدعوك للكسل، والتأجيل، والراحة، وتهرب من كل عمل جاد يحتاج إلى صبر”. “والرابع هو الهوى، شهواتك الخفية. رغبتك في الشهرة السريعة، أو غضبك عندما لا تسير الأمور كما تريد، أو كبرك عن قبول النصيحة”.
صمت “فوزووز”. لقد أدرك أن هؤلاء الأعداء الأربعة كانوا يتناوبون عليه، ويسدون عليه كل منافذ السلام. “وما المخرج من هذا الحصار يا رشيد؟” سأل “فوزووز” بيأس. ابتسم “رشيد” وقال: “المخرج في كلمتين: ‘فاتقِ الله’. اتقِ الله في عملك، واجعله خالصًا له، لا للناس. ‘ومن يتق الله يجعل له مخرجًا’”. “والسلاح؟” سأل “فوزووز”. “سلاحك هو الثقة. ‘فمَنْ توكَّلَ حسْبُهُ اللهُ’. توكل عليه، وامسك بأدواتك، واعلم أنه يكفيك. افعل ما عليك، واترك ما لا تقدر عليه لخالقك. حينها، يُكسر الحصار، وتتحرر روحك، وتجد السلام الذي تبحث عنه”.
أخذ “فوزووز” نفسًا عميقًا. أمسك بقطعة الخشب، واستعاذ بالله من شيطانه، ونفض عن قلبه بريق الدنيا، وقاوم هوى نفسه، وتوكل على الله… وبدأ العمل.

يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.