في عالم الطفولة الخصب، حيث يمتزج الواقع بالخيال، قد تتحول أصغر المخلوقات إلى وحوش مرعبة، وأبسط الأحداث إلى كوارث وشيكة. إن قوة التصور، وإن كانت محركًا للإبداع، قد تنقلب فتخلق موجات من الخوف والقلق لا أساس لها. هذه حكاية عن طفلة صغيرة أسيرة خيالها الجامح، وكيف أن عنكبوتًا صغيرًا أشعل فتيل ذعر جماعي في بلدتها الهادئة، لتكشف لنا كيف يمكن للمبالغة أن تحجب عنا الحقيقة وتزرع الفوضى في نفوسنا ومجتمعاتنا، مؤكدة أن التفكير المتوازن والتحقق من الواقع هما خير حصن ضد أوهام الخوف.

الخيال قوة عظيمة، لكنه قد يبالغ في المخاوف. فكرة صغيرة قائمة على الظن قد تتحول في عقولنا إلى كارثة. يجب ان نميز بين الخطر الحقيقي والوهم. قبل أن تستسلم للذعر، تحقق من الحقائق.
في ظهيرة يوم هادئ في “وادي الطموح”، انطلق فجأة صوت صفير حاد وغريب من ورشة “مُبتكر”، تلاه تصاعد لسحابة دخان كثيف. رأى أحد المارة السحابة وسمع الصوت، فجرى إلى السوق وهو يصرخ: “نار! وحش! هناك وحش يطلق نارًا في ورشة مُبتكر!”.
كانت هذه هي “شرارة الظن”. في غضون دقائق، تحولت القصة. “النار” أصبحت “أنفاسًا مشتعلة”، والصوت “زئيرًا مرعبًا”. وبحلول نهاية الشارع، كان الجميع يتناقلون “الخبر اليقين”: لقد صنع “مُبتكر” ذئبًا آليًا ضخمًا، والآن خرج هذا الذئب عن السيطرة وسيدمر الوادي!
أُشيع الرعب في الوادي. أغلق الناس محالهم، وركضوا إلى منازلهم، وأغلقوا الأبواب. لقد جعل الظن من مجرد “دخان وصفير” (كنملة) “ذئبًا مرعبًا” يوشك على الفتك بهم. سمع “فوزووز” بالقصة. شعر بالقلق للحظة، لكنه توقف وفكر. “ذئب؟ من مُبتكر؟ هذا لا يشبهه”. لقد كان عقله يخبره أن هذا “خيال يُخلق في الهوى”.
بدلاً من الاختباء، قرر “فوزووز” أن يفعل الشيء الصحيح: “سأسأل عن الحق”. ذهب “فوزووز” إلى صديقه الحكيم “رشيد”. قال “رشيد”: “الخوف يرى الظلال وحوشًا. هيا بنا نرى الحقيقة بأنفسنا”. سارا معًا في الشوارع الفارغة حتى وصلا إلى ورشة “مُبتكر”. كان الدخان قد قل، لكن صوت الصفير كان لا يزال مسموعًا.
طرق “فوزووز” الباب. انفتح الباب، وظهر “مُبتكر” مغطى بالسخام الأسود من رأسه حتى قدميه، وعيناه تلمعان من الفرح. “فوزووز! رشيد! لقد نجحت! لقد نجحت!” صاح “مُبتكر” بحماس.
نظر “فوزووز” و”رشيد” إلى داخل الورشة، يبحثان عن “الذئب المرعب”. لم يجدا شيئًا. “أين هو يا مُبتكر؟” سأل “فوزووز” بحذر. “من؟” سأل “مُبتكر”. “الوحش… أو الذئب…”
انفجر “مُبتكر” ضاحكًا وأشار إلى زاوية الورشة. “تقصدون هذه؟”
في الزاوية، كانت تقف آلة صغيرة جدًا، لا يزيد حجمها عن قطة، تطلق البخار وتصدر صوت صفير حاد. “إنها آلة صنع الفشار بالبخار! لقد احترقت الدفعة الأولى من الذرة، ولهذا كان هناك كل هذا الدخان!” قال “مُبتكر” وهو يقدم لهما وعاءً من الفشار.
نظر “فوزووز” إلى “رشيد” وابتسما. لقد أدركا كيف أن “شرارة الظن” حولت آلة فشار صغيرة بريئة، إلى ذئب مرعب أشاع الرعب في قلوب الجميع.

يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.