كان “فوزووز” يقضي أيامًا في ورشته، يعمل على أدق وأجمل قطعة خشبية نحتها في حياته. كانت هدية خاصة، وكان يصب فيها كل فنه وصبره. وبينما كان يضع اللمسة الأخيرة، انزلقت الأداة من يده، وانشطرت القطعة إلى نصفين. في لحظة، شعر “فوزووز” بعاصفة تجتاحه. لم يكن مجرد حزن، بل كان غضبًا شديدًا وإحباطًا عميقًا. شعر بحرارة تصعد إلى وجهه، وباضطراب هائل في صدره. قبض على الأداة التي سقطت، وكان على وشك أن يقذف بها في الحائط بكل قوته.

في لحظات القلق، نملك أداة علاجية بسيطة ومجانية: التنفس. أخذ نفس عميق وبطيء له تأثير فوري على تهدئة الجهاز العصبي. إنه بمثابة مرهم سريع للنفس المضطربة، يعيد لها صفاءها و أمانها.
في تلك اللحظة بالذات، دخل عليه صديقه الحكيم “رشيد”. رأى “رشيد” القطعة المكسورة، لكنه لم ينظر إليها. بل نظر إلى “فوزووز” الذي كان يتنفس بسرعة، ويرتجف من شدة الانفعال. لم يقل “رشيد” شيئًا عن القطعة، بل قال بصوت هادئ جدًا: “عندما تضطرب النفس هكذا، فهي تحتاج إلى مرهمها”. صرخ “فوزووز” بمرارة: “لا مرهم يصلح هذا الكسر! لقد ضاع كل شيء!”.
اقترب “رشيد” ووضع يده على كتف “فوزووز” وقال: “أنت لا تحتاج لإصلاح الخشب الآن، أنت تحتاج لإصلاح ما بداخلك. ومرهمك معك، إنه أقرب رفيق لك في كل ألم”. نظر إليه “فوزووز” بحيرة. قال “رشيد”: “أنفاسك. إنها السلاح السري والمرهم الشافي”. “اترك كل شيء من يدك. فقط أغمض عينيك. والآن، خذ معي نفسًا واحدًا… نفسًا عميقًا جدًا، املأ به صدرك…”.
تردد “فوزووز”، لكنه فعلها. استنشق بعمق، فشعر بأن الهواء يطفئ النار المشتعلة في صدره. “الآن، أخرجه ببطء شديد… ببطء”. ومع الزفير، شعر “فوزووز” بأن موجة الغضب العارمة بدأت تنحسر. كررا الأمر مرة، ومرتين، وثلاثًا. مع كل نفس عميق، كان “فوزووز” يشعر بأن صدره يمتلئ بالصفاء والأمان بدلاً من الاضطراب.
بعد دقيقة، فتح “فوزووز” عينيه. القطعة الخشبية كانت لا تزال مكسورة على الطاولة، لكن العاصفة التي كانت بداخله قد هدأت تمامًا. لم يعد يشعر بالرغبة في تدمير أي شيء. كل ما شعر به هو الهدوء والقدرة على التفكير. نظر إلى “رشيد” بامتنان. لقد أدرك أن هذا النفس البسيط، كان حقًا أفضل مرهم لروحه المضطربة.

يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.