دفتر النعم

كان “فوزووز” دقيقًا جدا في عمله. لكن هذه الدقة، ورغم أنها كانت سر نجاحه، كانت أيضًا مصدر تعبه. كان “فوزووز” يمتلك عينًا لاقطة، لكنها للأسف كانت تلتقط النواقص فقط. إذا تأخر تسليم طلبية لساعة، أو إذا وجد عقدة صغيرة في قطعة خشب، أو إذا كانت قهوته الصباحية باردة قليلاً… كان هذا “النقص” البسيط كافيًا ليعكر صفو يومه بالكامل.

في المساء، كان يجلس في ورشته، لا يفكر في تسعة أشياء سارت على ما يرام، بل يركز فقط على ذلك الشيء الواحد الذي سار بشكل خاطئ. كان يشعر بالإرهاق وعدم الرضا، ويشعر أن الخير يهرب من أيامه.

في إحدى الأمسيات، زاره صديقه الحكيم “رشيد”. وجد “فوزووز” جالسًا في عتمة الورشة، تبدو عليه علامات الاستياء. “يوم سيء آخر يا رشيد”، قال “فوزووز” بمرارة. “كل شيء يسير على غير ما يرام”.

استمع “رشيد” بصبر، ثم سأله بهدوء: “أخبرني عن ثلاثة أشياء جيدة حدثت لك اليوم”. صمت “فوزووز” وحاول التفكير. كان الأمر صعبًا. كل ما كان يراه هو النواقص.

قال “رشيد”: “لا تبحث عن معجزات. ابحث عن النعم الصغيرة”. فكر “فوزووز” طويلاً ثم قال بتردد: “حسنًا… كانت الشمس دافئة هذا الصباح. وتذوقت شطيرة لذيذة على الغداء. و… ابتسم لي طفل في الطريق”.

ابتسم “رشيد” وأخرج دفترًا صغيرًا وقلمًا، وقدمهما لـ “فوزووز”. “هذا هو علاجك. اسمِه ‘دفتر النعم’. كل ليلة، لا تسمح لنفسك بالنوم قبل أن تدون فيه ثلاث نعم صغيرة شعرت بها في يومك”.

رغم شكوكه، قرر “فوزووز” أن يجرب. في الليلة الأولى، كان الأمر صعبًا. عقله كان يركز على المشاكل. لكنه أجبر نفسه وكتب: “1. أنهيت جزءًا من عملي. 2. تحدثت مع صديق. 3. شربت كوب ماء بارد وأنا عطشان”.

مع مرور الأيام، حدث شيء سحري. بدأ “فوزووز” يبحث عن الأشياء الجيدة أثناء النهار، فقط لكي يكون لديه ما يكتبه في دفتره ليلاً. بدأ يلاحظ جمال لون الخشب الذي يعمل عليه. بدأ يستمتع بصوت العصافير خارج ورشته. بدأ يشعر بالامتنان لصحته وقدرته على العمل بيديه.

بعد شهر، كان “فوزووز” شخصًا مختلفًا. لم تعد النواقص تعمي بصره. لقد أدرك أن الخير والجمال كانا دائمًا موجودين في يومه، لكنه كان مشغولاً بالنظر إلى العيوب. أدرك “فوزووز” أن من يبدأ بشكر القليل، فإن الله يفتح له أبوابًا من الرضا والفضل، ويريه أن الخير كان يحيط به دائمًا.