ميزان اللطف

كان “فوزووز” معروفًا في “وادي الطموح” بقلبه الذي يتسع للجميع. بابه مفتوح دائمًا، ووقته متاح لكل من يطلبه. كان شعاره الدائم “بالتأكيد، سأفعل ذلك!”. إذا جاءه “مُبتكر” بفكرة جديدة تحتاج مساعدة في تنفيذها، كان “فوزووز” يترك ما في يده ويذهب معه، حتى لو كان غارقًا في عمله الخاص. إذا احتاجت “رونزا” مساعدة في متجرها، كان يهرع إليها فورًا.

كان “فوزووز” يظن أن هذا هو الصواب. كان يخشى أن يقول “لا”، معتقدًا أن ذلك سيجرح مشاعرهم أو يجعله يبدو أنانيًا. كان يكتم احتياجاته الخاصة في صدره، ويهمل مشاريعه التي يحلم بها، من أجل أن يبقى الجميع سعداء.

لكن بمرور الأسابيع، بدأ “فوزووز” يشعر بثقلٍ هائل. لم يعد يشعر بالسعادة عند مساعدة الآخرين، بل بدأ يشعر بالاستنزاف. أصبح يذهب إلى ورشته متأخرًا، ويجلس محدقًا في مشروعه الخاص المتوقف، يشعر بالإرهاق وفقدان الشغف. بدأ يتجنب المرور من السوق الرئيسي حتى لا يراه أحد ويطلب منه خدمة جديدة. لقد وصل إلى مرحلة الاحتراق العاطفي.

في أحد الأيام، زاره “قيّم”، الرجل الذي يشتهر بحكمته في وزن الأمور ووضع كل شيء في نصابه الصحيح. وجد “قيّم” “فوزووز” جالسًا في ورشته، تبدو عليه علامات التعب الشديد. قال “قيّم” بهدوء: “ورشة الجميع عامرة بأعمالك يا فوزووز، إلا ورشتك أنت”.

تنهد “فوزووز” وقال: “لا أستطيع أن أخذلهم. هم يحتاجونني”. رد “قيّم” بحكمة: “وماذا عنك؟ ألا تحتاج نفسك؟ يا فوزووز، لطفك هبة عظيمة، لكن اللطف الزائد بلا ميزان يضيع القلب ويهدر الزمان. أنت تمنحهم كل وقتك، فلا يتبقى لقلبك شيء”.

وتابع: “عندما تكتم ما في بالك من احتياجات من أجل الآخرين، فأنت لا تضر نفسك فقط، بل تظلمهم أيضًا، لأنك تمنعهم من معرفة حدودك الحقيقية. قول ‘لا’ بلطف، ليس أنانية، بل هو حفاظ على التوازن”.

كانت كلمات “قيّم” كالدواء. في اليوم التالي، عندما جاء “مُبتكر” طالبًا المساعدة، شعر “فوزووز” بالخوف، لكنه أخذ نفسًا عميقًا وقال: “يسعدني مساعدتك، لكني لا أستطيع الآن. أنا مرتبط بإنهاء عملي الخاص. هل يمكن أن نلتقي غدًا في هذا الموعد؟”. ابتسم “مُبتكر” وقال: “بالطبع يا فوزووز! لا مشكلة أبدًا. موعدنا غدًا”.

شعر “فوزووز” وكأن جبلًا قد أزيح عن صدره. لقد قال “لا” لأول مرة، ولم يغضب أحد، ولم ينهار العالم. عاد إلى مشروعه الخاص، وشعر بشغفه يعود إليه. لقد أدرك أن العطاء الحقيقي يبدأ من احترام الذات أولاً.