كان “فوزووز” يشعر بأن ضغوط العمل وهموم الحياة قد أثقلت كاهله. وفي مساء أحد الأيام، كان يسير في الحديقة بحثًا عن بعض الهدوء، فرأى مجموعة من الأشخاص يركضون. لفت انتباهه انسجام حركتهم وهدوء تنفسهم، وبدا عليهم السلام رغم المجهود. قال لنفسه: “ربما هذا ما أحتاجه. سأبدأ الركض غدًا”.

كل بداية تحمل صعوبة خاصة، فالخطوة الأولى هي الأصعب دائمًا. لكن ثمرة الصبر لا تقتصر على وصولك لهدفك، بل تتجاوزه لتجعل من رحلتك منارة تضيء الطريق للآخرين، فيرون فيك القدوة التي تشجعهم على بدء مسيرتهم.
في صباح اليوم التالي، ارتدى “فوزووز” حذاءه وبدأ. لكن الأمر لم يكن كما تخيل. بعد دقيقتين فقط، شعر بأن رئتيه تحترقان، وساقيه كأنهما من حجر. كان يتنفس بسرعة وبلا انتظام. شعر بالإحباط الشديد وجلس على أقرب مقعد، يلهث ويشعر بالهزيمة. “كيف يفعلونها بهذا الهدوء؟” تساءل بغضب، “هذا أصعب مما ظننت. مستحيل”.
كان على وشك العودة إلى منزله والاستسلام، لكن شيئًا ما منعه. تذكر شعور السلام الذي رآه على وجوههم. قرر ألا تستسـلم بهذه السهولة. أدرك أن أصعب ما في أي رحلة هو خطوتها الأولى. قرر أن يغير طريقته. بدلاً من محاولة الركض بسرعة، سيمشي ويهرول ببطء شديد. الأهم هو أن يركز على تنظيم أنفاسه. ومع كل شهيق، بدأ يردد في عقله كلمة: “ثبات”. ومع كل زفير، يردد: “عزيمة”.
أصبح هذا هو تدريبه. “ثبات… عزيمة… ثبات… عزيمة”. مرت الأسابيع. كان الأمر لا يزال صعبًا، لكنه لم يعد مستحيلاً. تحولت الدقيقتان إلى خمس، ثم إلى عشر. أصبح “فوزووز” يركض بانتظام، ووجد أن الكلمات التي يرددها لا تنظم تنفسه فحسب، بل تهدئ عقله وتذيب توتره.
في أحد الأيام، بينما كان ينهي جولته، رآه “مُبتكر”، الشاب الذي يعمل على اختراعات جديدة دائمًا. اقترب “مُبتكر” من “فوزووز” وقال له: “يا فوزووز، أنا أراك كل يوم. لقد كنت أحاول الركض مثلك لأسابيع لأصفي ذهني، لكني أفشل في كل مرة وأشعر بالإحباط. بصراحة، رؤيتك وأنت مستمر كل يوم، هي ما منعتني من الاستسلام التام”.
ابتسم “فوزووز”. لقد رأى في عيني “مُبتكر” نفس اليأس الذي شعر به في يومه الأول. قال له “فوزووز”: “لقد كنت في مكانك تمامًا. أصعب جزء هو البداية. السر ليس في قوة ساقيك، بل في صبرك. لقد كنت على وشك التوقف، لكني وجدت قوتي في هذه الكلمات”.
شاركه “فوزووز” طريقته في التنفس والترديد. في اليوم التالي، بدأ الاثنان الركض معًا، جنبًا إلى جنب، ببطء وثبات. لم يكن “فوزووز” يدرك أن صبره ومثابرته لم ينقذاه هو فقط، بل كانا يضيئان الدرب لشخص آخر ليتبعه.

يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.