كان “فوزووز” شابًا يملأ الشغف قلبه، وكانت أحلامه تتسع لأبعد من الأفق. لكن مؤخرًا، بدأت سحابة من القلق الثقيل تخيّم على أيامه. كلما فكر في المستقبل، شعر بضيق في صدره وخوف غير مبرر من المجهول.
للهروب من هذا الشعور المزعج، اتخذ قرارًا بدا له منطقيًا في ذلك الوقت: قرر أن يبتعد عن كل شيء وعن الجميع. بنى لنفسه “حصن العزلة”، حيث لا يضطر لمواجهة أحد أو الإجابة عن أي أسئلة. توقف عن لقاء صديقته المبهجة “رونزا”، وأصبح يتجاهل رسائل صديقه “مُبتكر” التي كانت تضج بالأفكار الجديدة.

في لحظات الضيق، قد تدفعنا غريزتنا إلى الانعزال، لكن العزلة تزيد الانكسار. الطريق الحقيقي للأمان ليس في الهروب، بل في اللجوء إلى الله، فهو سبحانه المرفأ الذي لا يخذلك والملجأ الذي تجد فيه السكينة.
ظن “فوزووز” أنه سيجد السلام في وحدته، لكنه وجد العكس. في صمت غرفته، لم يكن هناك ما يشتت انتباهه عن أفكاره المقلقة التي أصبحت تتعاظم وتتردد في رأسه كصدى لا ينتهي. زادت عزلته من حزنه، وشعر بالضعف والانكسار أكثر من أي وقت مضى.
لاحظ صديقه الحكيم “رشيد” غيابه الطويل، فقلق عليه وقرر زيارته. عندما فتح “فوزووز” الباب، رأى “رشيد” في عينيه أثر الليالي الطوال والتفكير المرهق.
دخل “رشيد” وجلس معه بهدوء، ثم قال بصوت دافئ: “يا صديقي، أحيانًا نهرب من العاصفة إلى كهف، فلا نلبث أن نكتشف أننا حبسنا أنفسنا مع الوحش الذي كنا نهرب منه. القلق ينمو في الظلام ويتغذى على الوحدة”.
لم يقدم “رشيد” حلولاً سحرية، بل عرض عليه شيئًا بسيطًا: “ما رأيك أن نخرج ونمشي قليلاً؟ فقط أنا وأنت. لا حاجة للكلام إن لم ترغب”.
تردد “فوزووز” للحظة، لكن نظرة الصدق في عيني صديقه شجعته. خطا أول خطوة خارج حصنه منذ أيام. بينما كانا يمشيان، شعر بأشعة الشمس تلامس وجهه، وسمع أصوات الحياة من حوله. لم يتحدثا كثيرًا، لكن وجود “رشيد” بجانبه كان كافيًا ليشعره بأنه ليس وحيدًا في معركته.
في تلك اللحظة، أدرك “فوزووز” أن أول خطوة للشفاء لم تكن حل المشكلة، بل كانت ببساطة كسر جدار العزلة والاعتراف بأنه يحتاج إلى الدعم. كانت تلك الخطوة الصغيرة بداية طريق طويل، لكنها كانت الأهم.
